أصوات نيوز/
من سنّة الله تعالى وحكمته أنّه فاضل بين مخلوقاته وبين الأزمنة والأمكنة، فجعل تعالى أفضل الأماكن مكة المكرمة، الذي قال الله تعالى فيه:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}، وجعل أفضل الأوقات والأزمان شهر رمضان المبارك، الذي قال الله تعالى في بيان فضله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}،[٢] وجعل الله تعالى العمرة في رمضان تعدل أجر حجةٍ يقول النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم-: (عُمرَةٌ في رَمضانَ تَعدِلُ حَجَّةً)،[٣] ومن فضائل شهر رمضان أنَّ الكتب السماوية أنزلت فيه، وهو شهر التوبة والمغفرة والعفو والعتق من النيران، وفيه تُفتّح أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران، وتُصفد الشياطين، وهو شهر الدعاء والصبر والجود والإحسان، وفيه ليلة خير من ألف شهر؛ وهي ليلة القدر، قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.[٤][٥]
فضل الدعاء في رمضان :
إنَّ الدعاء مستحب في جميع الأوقات إلا أنَّه في شهر رمضان وفي لياليه أقرب للإجابة، فقد ذكر الله تعالى في وسط أيات الصيام في سورة البقرة قوله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،[٦] وفي هذه الآية إشارة إلى أنَّ الدعاء في شهر رمضان المبارك من أحبّ الأعمال العبادات، وأنَّ الصائم الذي يدعو ربّه بتضرّعٍ وانكسارٍ أقرب وأرجى للإجابة والقبول عند الله -تبارك وتعالى-، قال البيضاوي -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة: “أعلم أنَّه تعالى، لما أمرهم بصوم الشهر، ومراعاة العدة على القيام بوظائف التكبير والشكر، عقّبه بهذه الآية الدالّة على أنَّه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم، مجازيهم على أعمالهم، تأكيداً وحثّاً عليه”.[٧]
الصيام وعلاقته بالدعاء :
اهتمت الشريعة الإسلامية بشأن الدعاء وأعطته الأهمية البالغة حتى جعلته هو العبادة، ففي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الدعاءُ هو العِبادةُ)،[٨] فالدعاء هو الوسيلة الوحيدة لاتصال العبد بربّه اتصالاً مُبَاشِرًا، حيث إنَّ العبد يناجي ربّه تعالى ليس بينه وبين ربّه تعالى تُرجمان، والعلاقة بين الصوم والدعاء هي علاقة هامّة جدًا فالله تعالى ذكر في أثناء سياق آيات الصيام قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}،[٦] فشهر رمضان كما هو شهر القرآن والإحسان والجود، فهو أيضًا شهر الدعاء والتضرّع والإنابة بين يدي الله تعالى، والأصل في الدعاء أن يُظهر العبد فقره وفاقته وذلّه، مقرونًا بحمد الله تعالى والثناء عليه والشكر له، قال الله تعالى: (من فُتِحَ له منكم بابُ الدعاءِ فُتحت له أبوابُ الرح)،[٩] والدعاء يُقْبَله الله تعالى من العبد لا مَحَالَةَ إذا لم يكن فيه إثم ولا قطيعة رحم، كما قال النبيّ–صلى الله عليه وسلم-: (ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها).